فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجملتان جوز أن يكونا مستأنفتين وأن يكونا حالين من ضمير: {استوى} وسخر من تتمته بناء على أنه جيء به لتقرير معنى الاستواء وتبيينه أو جملة مفسرة له، وجوز أن يكون: {يُدَبّرُ} حالًا من فاعل: {سَخَّرَ} و: {يُفَصّلُ} حالًا من فاعل: {يُدَبّرُ}، و: {الله الذى} إلخ على جميع التقادير مبتدأ وخبر، وجوز أن يكون الاسم الجليل مبتدأ والموصول صفته وجملة: {يُدَبّرُ} خبره وجملة: {يُفَصّلُ} خبرًا بعد خبر، ورجح كون ذلك مبتدأ وخبرًا في الكشف بأن قوله تعالى الآتي: {وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض} [الرعد: 3] عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات وفي المقابل تتعين الخبرية فكذلك في المقابل ليتوافقا، ولدلالته على أن كونه كذلك هو المقصود بالحكم لا أنه ذريعة إلى تحقيق الخبر وتعظيمه كما في الوجه الآخر، ثم قال: وهو على هذا جملة مقررة لقوله سحبانه: {والذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ هُوَ الحق} [الرعد: 1] وعدل عن ضمير الرب إلى الاسم المظهر الجامع لترشيح التقرير كأنه قيل: كيف لا يكون منزل من هذه أفعاله الحق الذي لا أحق منه، وفي الإتيان بالمبتدأ والخبر معرفتين ما يفيد تحقيق إن هذه الأفعال أفعاله دون مشاركة لاسيما وقد جعلت صلات للموصول، وهذا أشد مناسبة للمقام من جعله وصفا مفيدًا تحقيق كونه تعالى مدبرًا مفصلًا مع التعظيم لشأنهما كما في قول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتًا دعائمه أعز وأطول

وتقدم ذكر الآيات ناصر ضعيف لأن الآيات في الموضعين مختلفة الدلالة ولأن المناسب حينئذ تأخره عن قوله تعالى: {وَهُوَ الذي مَدَّ} [الرعد: 3] الخ، على أن سوق تلك الصفات أعني رفع السموات وما تلاه للغرض المذكور وسوق مقابلاتها لغرض آخر منافر، وفي الأول روعي لطيفة في تعقيب الأوائل بقوله سبحانه: {يُدَبّرُ يُفَصّلُ} للايقان والثواني بقوله تعالى: {إِنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3] أي من فضل السوابق لإفادتها اليقين واللواحق ذرائع إلى حصوله لأن الفكر إلته والإشارة إلى تقديم الثواني بالنسبة إلينا مع التأخر رتبة وذلك فائت على الوجه الآخر اهـ وهو من الحسن بمكان فيما أرى، ولا تنافى كما قال الشهاب بين الوجهين باعتبار أن الوصفية تقتضي المعلومية والخبرية تقتضي خلافها لأن المعلومية عليهما والمقصود بالإفادة قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبّكُمْ تُوقِنُونَ} أي لكم تتفكروا وتحققوا كمال قدرته سبحانه فتعلموا أن من قدر على ذلك قدر على الإعادة والجزاء، وحاصله أنه سبحانه فعل كل ذلك لذلك، وعلى الوجه الآخر فعل الأخيرين لذلك مع أن الكل له ثم قال: وهذ مما يرجح الوجه الأول أيضًا كما يرجحه أنه تبيين الآيات وهي الرفع وما تلاه فإنه ذكرها ليستدل بها على قدرته تعالى وعلمه ولا يستدل بها إلا إذا كانت معلومة فيقتضي كونها صفة.
فإن قيل: لابد في الصلة أن تكون معلومة سواء كانت صفة أو خبرًا يقال: إذا كان ذلك صلة دل على انتساب الآيات إلى الله تعالى وإذا كان خبرًا دل على انتسابها إلى موجود مبهم وهو غير كاف في الاستدلال فتأمل.
وقرأ النخعي وأبو رزين وأبان بن تغلب عن قتادة: {كذلك نُفَصّلُ} بالنون فيهما؛ وكذا روى أبو عمرو الداني عن الحسن ووافق في: {نُفَصّلُ} بالنون الخفاف.
وعبد الوهاب عن أبي عمرو، وهبيرة عن حفص، وقال صاحب اللوامح: جاء عن الحسن والأعمش: {نُفَصّلُ} بالنون، وقال المهدوي: لم يختلف في: {يُدَبّرُ} وليس كما قال لما سمعت. اهـ.

.قال القاسمي:

{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [1].
قال أبو السعود: {المر} اسم للسورة، ومحله: إما الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: هذه السورة مسماة بهذا الاسم، وهو أظهر من الرفع على الابتداء؛ إذ لم يسبق العلم بالتسمية. وقوله تعالى: {تِلْكَ} على الوجه الأول: مبتدأ مستقل، وعلى الوجه الثاني: مبتدأ ثان، أو بدل من الأول أشير به إليه إيذانًا بفخامته، وإما النصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو: اقرأ أو اذكر، فـ: {تلك} مبتدأ كما إذا جعل: {المر} مسرودًا على نمط التعديد، والخبر على التقادير، قوله تعالى: {آيَاتُ الْكِتَابِ} أي: الكتاب العجيب الكامل الغني عن الوصف به، المعروف بذلك من بين الكتب، الحقيق باختصاص اسم الكتاب به، فهو عبارة عن جميع القرآن، أو عن الجميع المنزل حينئذ. وقوله تعالى: {وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي: من الكتاب المذكور بكماله: {الْحَقُّ} أي: الثابت المطابق للواقع في كل ما نطق به، الحقيق بأن يخص به الحقية لعراقته فيها، وقصور غيره عن مرتبة الكمال فيها. وفي التعبير عنه بالموصول، وإسناد الإنزال إليه بصيغة المبني للمفعول، والتعرض لوصف الربوبية مضافًا إلى ضميره عليه السلام، من الدلالة على فخامة المنزل التابعة لشأن جلالة المنزل وتشريف المنزل إليه، والإيماء إلى وجه الخبر؛ ما لا يخفى....! انتهى ملخصًا بزيادة.
لطيفة:
في: {الَّذِيَ أُنزِلَ} وجهان: أحدهما هو في موضع رفع، و: {الْحَقُّ} خبره، أو الخبر: {منْ رَبِّكَ} و: {الْحَقُّ} خبر محذوف، أو خبر بعد خبر. وثانيهما: محله الجر بالعطف على: {الْكِتَابِ} عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى، أو بتقدير زيادة الواو في الصفة، و: {الْحَقُّ} خبر محذوف، ومنع كثير من النحاة زيادة الواو في الصفات. وآخرون على جوازها لتأكيد اللصوق، أي: الجمع والاتصال؛ لأنها كما تجمع المعطوف بالمعطوف عليه، كذلك تجمع الموصوف بالصفة، وتفيد أن اتصافه به أمر ثابت، وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي: بذلك الحق لرفضهم التدبر فيه شقاقًا وعنادًا. وهذا كقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].
{اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [2].
يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بقدرته رفع السماوات، أي: خلقهن مرتفعات عن الأرض ارتفاعًا لا ينال ولا يدرك مداه. وقوله تعالى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي: أساطين، جمع عماد أو عمود. وقوله تعالى: {تَرَوْنَهَا} إما استئناف للاستشهاد برؤيتهم السماوات كذلك، كقول الشاعر:
أنا بلا سيف ولا رمح تراني

أو صفة لـ {عمد} جيء بها إبهامًا؛ لأن لها عمدًا غير مرئية، وإليه ذهب كثير من السلف، ورجح ابن كثير الأول، وأنها لا عمد لها، قال: وهذا هو اللائق بالسياق والظاهر من قوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِه} [الحج: من الآية 65]، والأكمل أيضًا في القدرة. وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} تقدم تفسيره في سورة الأعراف، وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل. وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي: ذللهما لما أراد منهما من نفع العالم السفلي. وقوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: لغاية معينة ينقطع دونها سيره، وهو قيام الساعة، كقوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: من الآية 38]، وقد بين ذلك في قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] و: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 2] والاقتصار على الشمس والقمر؛ لأنهما أظهر الكواكب وأعظم من غيرهما، فتسخير غيرهما يكون بطريق الأولى. وقد جاء التصريح بتسخيرهما مع غيرهما في قوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر} [الأعراف: من الآية 54] وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} أي: أمر العالم العلوي والسفلي ويصرفه ويقضيه بمشيئته وحكمته على أكمل الأحوال، لا يشغله شأن عن شأن. وقوله تعالى: {يُفَصِّلُ الآيَاتِ} يعني: الآيات الدالة على وحدته وقدرته ونعوته الجليلة. أي: يبينها في كتبه المنزلة. وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} أي: لعلكم توقنون وتصدقون بأن هذا المدبر والمفصل، لابد لكم من المصير إليه، بالبعث بعد الموت للجزاء؛ فإن من تدبر حق التدبر؛ أيقن أن من قدر على إبداع ما ذكر من الآيات العلوية؛ قدر على الإعادة والجزاء!.
لطائف:
الأولى: جُوَّزَ في قوله تعالى: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} أن يكون الموصول خبرًا، وأن يكون صفة، والخبر: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ورجح في الكشف الأول، بأن قوله الآتي: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} [الرعد: من الآية 3]، عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات، وفي المقابل الخبرية متعينة، فكذا هذا ليتوافقا. والجملة مقررة لقوله: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} [الرعد: من الآية 1]، وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة لترشيح التقرير. كأنه قيل: كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق؟ وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها؛ لاسيما وقد جعل صلة للموصول، وهذا أشد مناسبة للمقام من جعله وصفًا مفيدًا لتحقيق كونه مدبرًا مفصلًا، مع التعظيم لشأنهما. والمقصود بالإفادة قوله: {لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} فالمعنى: أنه فعلها كلها لذلك.
الثانية: قال القاضي: قوله تعالى: {رَفَعَ السَّمَاواتِ} إلخ دليل على وجود الصانع الحكيم، فإن ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرمية، واختصاصها بما يقتضي ذلك؛ لابد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني، يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته، وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات.
الثالثة: {يُدبِّر} و: {يُفصِّل} يقرآن بالياء والنون. وهما مستأنفان. أو الأول حال من ضمير {سخر} والثاني من ضمير {يدبر} أو كلاهما من ضمائر الأفعال المذكورة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)}: {تقدم الكلام على نظائر المر}
مما وقع في أوائل بعض السور من الحروف المقطعة.
القول في: {تلك آيات الكتاب} كالقول في نظيره من طالعة سورة يونس.
والمشار إليه بـ: {تلك} هو ما سبق نزوله من القرآن قبل هذه الآية أخبر عنها بأنها آيات، أي دلائل إعجازٍ، ولذلك أشير إليه باسم إشارة المؤنث مراعاة لتأنيث الخبر.
وقوله: {والذي أنزل إليك من ربك الحق} يجوز أن يكون عطفًا على جملة: {تلك آيات الكتاب} فيكون قوله: {والذي أنزل إليك} إظهار في مقام الإضمار.
ولم يكتف بعطف خبَرٍ على خبر اسم الإشارة بل جيء بجملة كاملة مبتدئة بالموصول للتعريف بأن آيات الكتاب منزلة من عند الله لأنها لما تقرر أنها آيات استلزم ذلك أنها منزلة من عند الله ولولا أنها كذلك لما كانت آيات.
وأخبر عن الذي أنزل بأنه الحق بصيغة القصر، أي هو الحق لا غيره من الكتب، فالقصر إضافي بالنسبة إلى كتب معلومة عندهم مثل قصة رستم وإسفَنْديار اللتين عرفهما النضر بن الحارث.
فالمقصود الردّ على المشركين الذين زعموه كأساطير الأولين؛ أو القصرُ حقيقي ادعائي مبالغة لعدم الاعتداد بغيره من الكتب السابقة، أي هو الحق الكامل، لأن غيره من الكتب لم يستكمل منتهى مراد الله من الناس إذ كانت درجات موصلة إلى الدرجة العليا، فلذلك ما جاء منها كتاب إلا ونسخ العمل به أو عيّن لأمة خَاصة: {إنّ الدين عند الله الإسلام}. ويجوز أن يكون عطف مفرد على قوله: {الكتاب} مفرد، من باب عطف الصفة على الاسم، مثل ما أنشد الفراء:
إلى الملك القرم وابن الهم ** ام وليث الكتيبة بالمزدحم

والإتيان بـ: {ربك} دون اسم الجلالة للتلطف.
والاستدراكُ بقوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} راجع إلى ما أفاده القصر من إبطال مساواة غيره له في الحقية إبطالًا يقتضي ارتفاع النزاع في أحقيته، أي ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بما دلت الأدلة على الإيمان به، فمن أجل هذا الخلق الذميم فيهم يستمر النزاع منهم في كونه حقًا. وابتداء السورة بهذا تنويه بما في القرآن الذي هذه السورة جزء منه مقصود به تهيئة السامع للتأمل مما سيرد عليه من الكلام.
{الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ استوى عَلَى العرش وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبَّرُ الأمر يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}
استئناف ابتدائي هو ابتداء المقصود من السورة وما قبله بمنزلة الديباجة من الخطبة، ولذا تجد الكلام في هذا الغرض قد طال واطّرد.
ومناسبَة هذا الاستئناف لقوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} لأن أصل كفرهم بالقرآن ناشئ عن تمسكهم بالكفر وعن تطبعهم بالاستكبار والإعراض عن دعوة الحق.
والافتتاح باسم الجلالة دون الضمير الذي يعود إلى: {ربك} [الرعد: 1] لأنه معيّن به لا يشتبه غيره من آلهتهم ليكون الخبر المقصود جاريًا على معيّن لا يحتمل غيره إبلاغًا في قطع شائبة الإشراك.
و{الذي رفع} هو الخبر.
وجُعل اسم موصول لكون الصلة معلومة الدلالة على أن من تثبت له هو المتوحد بالربوبية إذ لا يستطيع مثل تلك الصلة غير المتوحد ولأنه مسلم له ذلك: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25].
والسماوات تقدمت مرارًا، وهي الكواكب السيارة وطبقات الجو التي تسبح فيها.
و{رفعها}: خلقها مرتفعة، كما يقال: وَسّعْ طوقَ الجُبة وضيّقْ كمها، لا تريد وسعه بعد أن كان ضيقًا ولا ضيقه بعد أن كان واسعًا وإنما يراد اجْعَلْه واسعًا واجعله ضيقًا، فليس المراد أنه رفعها بعد أن كانت منخفضة.
والعَمَد: جمع عماد مثل إهاب وأهَب، والعماد: ما تقام عليه القبة والبيت.
وجملة {ترونها} في موضع الحال من: {السماوات}، أي لا شبهة في كونها بغير عمد.
والقول في معنى: {ثم استوى على العرش} تقدم في سورة الأعراف وفي سورة يونس.
وكذلك الكلام على: {سخر الشمس والقمر} في قوله تعالى: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره} في سورة الأعراف [54].
والجري: السير السريع.
وسير الشمس والقمر والنجوم في مسافات شاسعة، فهو أسرع التنقلات في بابها وذلك سيرها في مداراتها.
واللام للعلة.
والأجل: هو المدة التي قدرها الله لدوام سيرها، وهي مدة بقاء النظام الشمسي الذي إذا اختل انتثرت العوالم وقامت القيامة.
والمسمّى: أصله المعروف باسمه، وهو هنا كناية عن المعيّن المحدّد إذ التسمية تستلزم التعيين والتمييز عن الاختلاط.
{يُدَبَّرُ الأمر يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}
جملة: {يدبر الأمر} في موضع الحال من اسم الجلالة.
وجملة: {يفصل الآيات} حال ثانية تُرك عطفها على التي قبلها لتكون على أسلوب التعداد والتوقيف وذلك اهتمام باستقلالها.
وتقدم القول على: {يدبر الأمر} عند قوله: {ومن يدبر الأمر} في سورة يونس [3].
وتفصيل الآيات تقدم عند قوله: {أحكمت آياته ثم فصلت} في طالعة سورة هود [1].
ووجه الجمع بينهما هنا أن تدبير الأمر يشمل تقدير الخلق الأول والثاني فهو إشارة إلى التصرف بالتكوين للعقول والعوالم، وتفصيل الآيات مشير إلى التصرف بإقامة الأدلة والبراهين، وشأن مجموع الأمرين أن يفيد اهتداء الناس إلى اليقين بأن بعد هذه الحياة حياة أخرى، لأن النظر بالعقل في المصنوعات وتدبيرها يهدي إلى ذلك، وتفصيلَ الآيات والأدلة ينبه العقول ويعينها على ذلك الاهتداءِ ويقرّبه.
وهذا قريب من قوله في سورة يونس: {يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذّكرون إليه مرجعكم جميعًا وعد الله حقًا إنه يبدأُ الخلق ثم يعيده} [يونس: 3].
وهذا من إدماج غرض في أثناء غرض آخر لأن الكلام جار على إثبات الوحدانية.
وفي أدلة الوحدانية دلالة على البعث أيضًا.
وصيغ {يدبر} و{يفصل} بالمضارع عكس قوله: {الله الذي رفع السماوات} لأن التدبير والتفصيل متجدّد متكرر بتجدد تعلق القدرة بالمقدورات.
وأما رفع السماوات وتسخير الشمس والقمر فقد تم واستقرّ دفعة واحدة. اهـ.